قيمة الشخص في التزامة الاجتماعي والسياسي والقانوني
«إن نظرية العدالة كإنصاف، تنطلق من فكرة وجوب النظر إلى المجتمع كنظام للتعاون المنصف، وتتبنى تصورا للشخص ينسجم مع هذه الفكرة. فمنذ اليونان، فهم الشخص باعتباره ذلك الكائن القادر على المشاركة في الحياة الاجتماعية، أو على لعب دور معين، ومن ثم توفره على قدرة التأثير واحترام مختلف الحقوق والواجبات. وبهذا المعنى نقول إن الشخص مواطن، أي أنه عضو اجتماعي كامل النشاط عبر كل حياته …
وباعتبار أننا نتموضع داخل تقليد الفكر الديمقراطي، فعلينا أن نعتبر المواطنين أشخاصا أحرارا واندادا. والفكرة الحدسية الأساس ها هنا، تتمثل في أننا نعتبرهم أشخاصا أحرارا بفضل كفاءاتهم الأخلاقية والعقلية كذلك، أي تلك الكفاءات المتعلقة بالتفكير والحكم المرتبطين بها. وعلى أساس توفرهم على هذه الكفاءات في الحدود الضرورية التي تجعلهم كاملي العضوية داخل المجتمع، فإننا نذهب إلى أنهم أندادا لبعضهم البعض. ونستطيع أن نفسر هذا التصور بالكيفية التالية: ما دام الأشخاص هم أعضاء بشكل كامل داخل النظام المنصف للتعاون الاجتماعي، فإننا نسند إليهم الكفاءتين الأخلاقيتين المرتبطتين بفكرة التعاون الاجتماعي، وهما القدرة على تملك حس للعدالة وتصور معين للخير.
حيث أن تملكهم حسا للعدالة يمكنهم من فهم وتطبيق واحترام التصور العمومي للعدالة الذي يسم حدود التعاون المنصف أثناء إنجاز أفعالهم، أما توفرهم على تصور للخير فيفيد مكانتهم في تشكيل، ومراجعة، ومتابعة الامتياز الذي يمكنه أن ينتج عن هذا الخير بشكل عقلاني. ولا ينبغي أن يؤخذ مفهوم الخير في حالة التعاون الاجتماعي بمعناه الضيق، بل ينبغي فهمه، على الأرجح، باعتباره يمثل كل ما له قيمة في الحياة الإنسانية. ولهذا فإن هذا التصور على العموم، يتمظهر على شكل نظام معين للغايات القصوى التي نتطلع إلى تحقيقها، ومن أجل إقامة العلاقات مع أشخاص آخرين، وكذا الالتزامات إزاء مختلف الجماعات والهيئات».
جون راولز، نظرية العدالة كإنصاف بين السياسة والميتافيزيقا، ترجمة محمد هاشمي، عدد 10، 2004، ص: 105-106